[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]إعداد : مصطفى البصراتي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فإن الإعجاز العلمي في القرآن يقصد به عدم تعارض شيء من حقائق العلم مع مقررات القرآن الكريم، كما يقصد به مطابقة الحقائق العلمية لما ورد في شأنها من الآيات القرآنية.
ويخطئ كثير من الناس حين يحرصون على أن يتضمن القرآن الكريم كل نظرية علمية، وكلما ظهرت نظرية جديدة التمسوا لها محملاً في آية يتأولونها بما يوافق هذه النظرية، ومنشأ الخطأ في هذا أن العلوم تتجدد نظرياتها مع الزمن تبعًا لسنة التقدم، فلا تزال في نقص دائم يكتنفه الغموض أحيانًا، والخطأ أحيانًا أخرى، وتستمر هكذا حتى تقرب من الصواب، وتصل إلى درجة اليقين، وأي نظرية منها تبدأ بالتخمين وتخضع للتجربة حتى يثبت يقينها، أو يتضح زيفها وخطؤها، ولهذا كانت عرضة للتبديل، وكثير من القواعد العلمية التي ظن الناس أنها أصبحت من المسلمات تتزعزع بعد ثبوت، وتتقوض بعد رسوخ، ثم يستأنف الباحثون تجاربهم فيها مرة أخرى.
والذين يفسرون القرآن الكريم بما يطابق مسائل العلم، ويحرصون على أن يستخرجوا منه كل مسألة تظهر في أفق الحياة العلمية، يسيئون إلى القرآن من حيث يظنون أنهم يحسنون صنعًا؛ لأن هذه المسائل التي تخضع لسنة التقدم تتبدل، وقد تتقوض من أساسها وتبطل، فإذا فسرنا القرآن بها تعرضنا في تفسيره للنقائض كلما تبدلت القواعد العلمية أو تتابعت الكشوف بجديد ينقض القديم، أو يقين يبطل التخمين.
والقرآن الكريم كتاب عقيدة وهداية، يخاطب الضمير فيحيي فيه عوامل النمو والارتقاء وبواعث الخير والفضيلة.
وإعجازه العلمي ليس في اشتماله على النظريات العلمية التي تتجدد وتتبدل وتكون ثمرة للجهد البشري في البحث والنظر، وإنما في حثه على التفكير، فهو يحث الإنسان على النظر في الكون وتدبره، ولا يشل حركة العقل في تفكيره، أو يحول بينه وبين الاستزاذة من العلوم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وليس ثمة كتاب من كتب الشرائع السابقة يكفل هذا بمثل ما يكفله القرآن.
يقول العلماء في تفسير قوله تعالى: يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج {البقرة:189}، اتجه الجواب إلى واقع حياتهم العملي لا إلى مجرد العلم النظري، وحدثهم عن وظيفة الأهلة في واقعهم وفي حياتهم ولم يحدثهم عن الدورة الفلكية للقمر وكيف تتم؟ وهي داخلة في مدلول السؤال...
إن القرآن قد جاء لما هو أكبر من تلك النظريات الجزئية، ولم يجئ ليكون كتاب علم فلكي، أو كيميائي أو طبي... كما يحاول بعض المتحمسين له أن يلتمسوا فيه هذه العلوم أو كما يحاول بعض الطاعنين فيه أن يلتمسوا مخالفاته لهذه العلوم، إن كلتا المحاولتين دليل على سوء الإدراك لطبيعة هذا الكتاب ووظيفته ومجال عمله، إن مجال عمله هو النفس الإنسانية والحياة الإنسانية، وإننا لنعجب لسذاجة هؤلاء المتحمسين الذين يحاولون أن يضيفوا إليه ما ليس منه وأن يحملوا عليه ما لم يقصد إليه، وأن يستخرجوا منه جزئيات في علوم الطب والكيمياء والفلك وما إليها، كأنما ليعظموه بهذا ويكبروه، إن الحقائق القرآنية حقائق نهائية قاطعة مطلقة، أما ما يصل إليه البحث الإنساني أيًا كانت الأدوات المتاحة له- فهي حقائق غير نهائية ولا قاطعة وهي مقيدة بحدود تجارية وظروف هذه التجارة وأدواتها، فمن الخطأ المنهجي- بحكم المنهج العلمي الإنساني ذاته أن تعلق الحقائق النهائية القرآنية بحقائق غير نهائية وهي كل ما يصل إليه العلم البشري- هذا بالقياس إلى الحقائق العلمية، فهي قابلة دائمًا للتغيير والتعديل والنقص والإضافة بل قابلة لأن تنقلب رأسًا على عقب، بظهور أداة كشف أو بتفسيرات جديدة لمجموعة الملاحظات القديمة، وكل محاولة لتعليق الإشارات القرآنية العامة بما يصل إليه العلم من نظريات متجددة متغيرة أو حتى بحقائق علمية ليست مطلقة كما أسلفنا- تحتوي أولاً على خطأ منهجي أساسي، كما أنها تنطوي على معان ثلاثة لا تليق بجلال القرآن الكريم.
الأول: هو الهزيمة الداخلية التي تخيل لبعض الناس أن العلم هو المهيمن والقرآن تابع ومن يحاولون تثبيت القرآن بالعلم، أو الاستدلال له من العلم، على حين أن القرآن كتاب كامل في موضوعه، ونهائي في حقائقه، والعلم لا يزال في موضوعه ينقض اليوم ما أثبته بالأمس وكل ما يصل إليه غير نهائي ولا مطلق، لأنه مقيد بوسط الإنسان وعقله وأدواته، وكلها ليس من طبيعتها أن تعطي حقيقة واحدة نهائية مطلقة.