جريدة الأهرام الجمعة 8 مايو 2009
كلنا مهان - فاروق جويده
--------------------------------------------------------------------------------
اهتزت مصر كلها وهي تشاهد على التليفزيون مواكب الخنازير وهي تلتحم بالاطفال الصغار وتتزاحم حولهم تلال الزباله و جدران الصفيح . كانت الصوره تطرح واقعا شديد البشاعه والشراسه والتوحش …. ان المسافه قصيره جدا بين جولف القطاميه و فيلاتها الانيقه و بين مقالب الزباله و الخنازير في منشيه ناصر …. و المسافه بين الدويقه اسفل جبل المقطم و بين حديقه الازهر قصيره للغايه …. و لكن شتان بين المئات الذين قتلوا تحت صخور جبل المقطم و المئات الذين يتنزهون كل يوم بجوار البحيرات الصناعيه و المطاعم الفاخره في حديقه الازهر
المسافه بين حريق عزبه بلال في الشرابيه و بين منطقه العمارات و الفنادق الفارهه على ضفاف النيل في نفس المنطقه قصيره ايضا و لكن النيران اكلت صناديق الاخشاب سكن الغلابه و لم تستطع الوصول الى العمارات الفارهه
عندما كنت اشاهد الاف الخنازير و هي تتسكع وسط اكوام الزباله ووجوه الاطفال الصغار شاحبه مريضه و حزينه دارت في راسي هذه الاسئله
كيف سمح هذا المجتمع المتوحش بهذه الحياه لهولاء البشر ؟ و على من تقع مسئوليه ذلك : هل الحكومات المتعاقبه التي انفقت البلايين على التليفون المحمول و على فضائيات العري و مواكب النفاق و نهب المال العام و تركت هولاء الناس يعيشون بهذه الصوره المخيفه ؟ هل الشعب الذي فرط في حقوقه و رضى ان يعيش وسط القاذورات و بين الخنازير و هياكل الصفيح ؟ هل الطبقه المثقفه المتعلمه التي اخترات النفاق و الرياء و الفساد و باعت قضاياها و لحقت بالركب لتأخذ الفتات ؟ هل رجال الاعمال الذين اخذوا البلايين و لم يردوا شيئا لهذه الغالبيه المطحونه من ابناء الشعب الفقير ؟
ان مسئوليه مقالب الزباله و الخنازير تقع على هولاء جميعا ان هذه الصور التي تناقلتها الشاشات العالميه لخنازير مصر كانت وصمه عار في جبين كل مواطن مصري خاصه هولاء الذين يتحدثون عن الدعم و الفئات المهمشه و نسبه الفقر و العولمه و اقتصاديات السوق لان هذا الذي رايناه هو الفقر نفسه
كانت الخنازير تخفي اجسادها خجلا وسط اكوام الزباله و كان الاطفال الصغار الذين كثيرا ما تغنى بهم و لاجلهم المجلس القومي للطفوله ياكلون ما بقى من زباله الخنازير و تاهت ملامح الخنازير في وجوه الاطفال فلم تعد تفرق من منهم الانسان و من منهم الحيوان
و هنا نطرح السؤال :
لو لم تظهر انفلونزا الخنازير في العالم هل كلن المصريون سيعرفون اين توجد هذه الكائنات الحيوانيه و البشريه و هي تعيش في مكان واحد و تأكل من زباله واحده ؟
اين كانت الحكومات المتعاقبه و هولاء الناس يعيشون حياه الكهوف مثل السلالات البشريه المنقرضه ؟ اين ذهب البلايين التي اقترضتها الحكومات و اين انفقتها ؟ ان ديون مصر تجاوزت 850 مليار جنيه …. و في مقاله اخيره اعترف د .عاطف عبيد رئيس مجلس الوزراء السابق بان مصر حصلت على مساعدات لا ترد من دول العالم بلغت 92.6 مليار دولار اي 370 مليار جنيه مصري و لم يقل لنا دكتور عبيد اين انفقت حكومته هذه المليارات ؟ و اين نصيب سكان مقالب الزباله و الخنازير في هذا كله ؟ و اذا كانت الحكومات قادره على انشاء جولف القطاميه و جولف السليمانيه و جولف المقطم و جولف الطريق الصحراوي و جولف التجمع الخامس و القاهره الجديده فاين هي من جولف الخنازير ؟ و اذا كانت الحكومه قد انفقت ملايين الجنيهات لتقيم المنتجعات الانيقه و القصور الفارهه فلماذا لم تخصص ملاليم قليله من البلايين لتطهير مقالب الزباله و سكانها من البشر و الخنازير ؟
و سط مئات الفنادق و مئات الشواطئ التي اقمناها للسياح الوافدين لماذا لم نخصص قروشا حتى لا يسكن البشر بيوت الخنازير و القمامه ؟ و كم يحتاج ذلك كله ؟ مائه مليون جنيه … خمسمائه مليون …. مليار جنيه ؟ هذه المبالغ جميعها ينفقها الساده الوزراء في اقامه مهرجانات او اسفار لوفود لا تفعل شيئا …. كان من الممكن ان تخصص مساحه من الاراضي التي حصل عليها الاكابر بلا مقابل و كسبوا منها البلايين لتكون مسكنا لهولاء الذين سكنوا مقالب الزباله
اين رجال الاعمال المصريون الذين يتحدثون كثيرا عن العداله الاجتماعيه و التكافل الاجتماعي و حقوق الفقراء و المسئوليه الانسانيه …… ان المئات منهم لم يكونوا يملكوا شيئا منذ سنوات قليله و اقاموا المصانع و نهبوا البنوك و هرب منهم من هرب و بقى منهم من بقى …. في خطه اصلاح الجهاز المصرفي خسرت البنوك المصريه في عمليات التسويات و الديون المعدومه و قروض الهاربين 60 مليار جنيه ….. من كان الاحق بها : سكان الدويقه و اسطبل عنتر و ارض اللواء و منشيه ناصر ام بهوات القطاميه و لصوص المال العام و مواكب الفساد ؟
كيف وقف رجال الاعمال و شاهدوا بانفسهم مواكب الخنازير السوداء و هي تتقلب مع الاطفال الصغار في صناديق الزباله في ارض الحضارات و الاديان ؟
كيف نام هولاء في قصورهم و هم يعلمون ان الاموال التي ينامون عليها مال حرام لانه حق مشروع لاصحاب الزباله ؟
كيف يقبل رجال الاعمال هذه الصوره المهينه للمواطن المصري و هو يتقلب بين الخنازير في اماكن ملوثه …. حيث لا ماء …. ولا دورات مياه …. ولا مدرسه ….. ولا مستوصف ولا طريق ولا جدران تحمي الاجساد المتهالكه من برد الشتاء ؟ اين رجال الاعمال الذين يتحدثون عن صفقات الاراضي و السمسره و تصدير الغاز و الكويز و مزادات الاراضي و مزارع الكنتالوب و الخيار و موائد الكافيار ….. اين حق هولاء الناس الذين يعيشون في بيوت الخنازير من دخل قناه السويس و صادرات البترول و دخل السياحه و الشواطئ الفيروزيه التي وزعتها الحكومات المتعاقبه على الاكابر ؟ اين حق هولاء في مزادات الاراضي التي باعتها الحكومه ؟
عندما انشات الحكومه التجمع الخامس و منتجعات القطاميه و السليمانيه و المقطم و شرم الشيخ و الغردقه لماذا لم تحاول اخراج هذه الفئران البشريه من جحورها لتسكن شيئا يشبه البيوت على هذه الارض ؟
اين النخبه التي باعت قضايا الانسان المصري مقابل منصب او صفقه او سفريه او عضويه في حزب او نقابه او ناد ؟ اين النخبه صاحبه الدور و الرساله ؟ هذه النخبه التي باعت كل شئ في سبيل مكاسب هزيله حصلت عليها من هنا او من هناك من سفاره او جمعيه او سلطه مشبوهه ؟
اين مواكب اليسار المصري الذي تغتى زمنا بحقوق الجائعين و المطحونين ؟ اين فرسان الاشتراكيه و تجار الشعارات و اين الاحزاب الورقيه ؟ اين كوادر الحزب الوطني الذي يدعي انه يعرف كل شئ و يرى كل شئ ؟ الا توجد دراسه في كواليس حزب الاغلبيه عن سكان اكوام الزباله من الخنازير البشريه ؟ الا توجد دراسه عن عشوائيات القاهره و من يسكن فيها ؟
ان الحكومه الذي تتحدث كل يوم عن الدعم و العولمه و اقتصاديات السوق فاين هذا الدعم الذي وصل الى هذه الاكوام البشريه التي خرجت علينا في ليله سوداء مثل لون الخنازير تماما ؟ اين اعضاء الحزب الوطني في هذه المناطق ؟ و اين اعضاء مجلسي الشعب و الشورى الذين اقاموا مقالب الزباله ووزعوها على الخنازير ؟ انني اطالب النائب العام المستشار عبد المجيد محمود بتحويل جميع اعضاء مجلسي الشعب و الشورى في هذه المناطق المنكوبه التي شاهدناها على شاشات التليفزيون الى محاكمات سريعه و عاجله و رفع الحصانه عنهم بل يجب فصلهم من مجلسي الشعب و الشورى …. هولاء الاعضاء لا يستحقون ابدا شرف تمثيل هذا الشعب لانهم شاهدوا كل هذه الجرائم و سكتوا عليها بل و تاجروا في هموم هولاء الناس .
ان صوره الخنازير السوداء ووجوه الاطفال الملوثه بالطين وسط اكوام الزباله و اجسامهم العاريه و عيونهم الزائغه وثيقه ادانه لنا جميعا شعبا و نخبه و حكومه و رجال مال و اعمال و مثقفين .
ان اسوا ما في هذه الصوره انها جريمه يتوافر فيها سبق الاصرار و الترصد …. لان الذي اقام ببراعه منتجعات القطاميه للاكابر و الذي اقام شبكات الانترنت و المحمول و القريه الذكيه كان يستطيع ان يخرج بهولاء الناس من جحور الزباله ….. و الذي زرع الاف الافدنه من الجولف كان يستطيع ان يطهر هذه المقالب التي تتجمع فيها زباله الكبار …. كان من الممكن انشاء مساكن متواضعه بدلا من جدران الصفيح …. و كان من الممكن انشاء مصانع للحوم حتى لا نقتل كل هذه الخنازير مره واحده .
كان من الممكن ان يكون لكل طفل من هولاء الاطفال مدرسه و دواء و جدران تحميه … و لكن حين يفتقد المجتمع مشاعر العدل و الرحمه و المسئوليه ينام الاطفال في احضان الخنازير و يسكن البشر صناديق الزباله .
لابد ان نعترف ان الجميع مدان في هذه الجريمه …. اعضاء مجلس الشعب في هذه المناطق …. الاعلام الذي شغل نفسه بزواج الفنانات و طلاق الفنانين …. الصحافه … التي لم تكشف هذه العورات و هي تتحدث عن ارضاع الكبير و زواج المسيار … و الحزب الوطني الذي يدعي انه يعرف كل شئ … ابتداء بقوانين العولمه و استراتيجيه زراعه الموز و الكنتالوب … و اعضاء الروتاري و الليونز و مجالس الطفوله و حقوق الانسان و المجتمع المدني و احزاب الغفله و زعاماتها الكاذبه
ما شاهدناه في مقالب الزباله من البشر و الخنازير كابوس اسود ثقيل لا ادري متى يفيق المصريون منه قبل ان تخرج عليهم و تحاصرهم مواكب الخنازير .