مدام فراشة الاعضاء المتميزون
مشآرڪآتي : 494 العمر : 39 العمل/الترفيه : شيف المزاج : شقـــية عضـِـوْيُتـًے : 150 بُـلاآآدٍيـے : عارض احترام قوانين المنتدى :
| موضوع: لغز...الزمن ... الخميس 14 أبريل 2011, 14:19 | |
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] إن الزمن ليس شيئاً منعزلاً عنا مثل الشجرة و المحبرة و الكتاب.. ليس زمبلكاً تحتويه ساعة اليد و لكنه شيء يلابسنا
لكل منا زمن خاص به
عواطفنا و اهتماماتنا هي الساعة الحقيقية التي تضبط الزمن و تطيله أو تقصره
أفراحنا تجعل ساعاتنا لحظات و آلامنا تجعل لحظاتنا طويلة مريرة ثقيلة مثل السنين و أطول
إحساسنا بالسرعة و البطء ليس مصدره ساعة الحائط و لكن مصدره الحقيقي الشعور في داخلنا
إن ساعة الحائط تقدم لنا زمناً مزيفاً .. و مثلها التقويم الفلكي الذي يقسم حياتنا إلى أيام و شهور وفصول
و التاريخ الذي يقسم أعمارنا إلى ماض و حاضر و مستقبل .. لأن حياتنا غير قابلة للقسمة .. و لأن الزمن في داخلنا غير قابل للقسمة أيضاً
إن حياتنا لحظة طويلة مستمرة يصاحبها إحساس مستمر بالحضور و نحن نتعرف على الماضي من خلال الحاضر .. فحينما نعيش في إحساس بالتذكر نسميه ماضياً .. و حينما نعيش في إحساس بالتوقع نسميه مستقبلاً .. و لكن كل هذه الإحساسات هي حاضر و الفواصل بين الماضي و الحاضر و المستقبل فواصل وهمية لأن اللحظات الثلاث تتداخل بعضهافي بعض كما يتداخل الليل و النهار عن الأفق
و الذي يقوم بتعيين اللحظة في الشعور هو الانتباه
الانتباه هو الذي يضع خطاً تحت بعض مشاعرنا و إحساساتنا فيخيل لنا أننا وقفنا لحظة و الحقيقة أنه لا وقوف أبداً .. و إنما نحن نعيش في حالة تدفق داخلي مستمر أبداً و دائماً
و الزمن الخارجي .. زمن الساعات و المنبهات زمن كاذب خداع لأنه يساوي بين اللحظات ويجعلها مجرد أرقام على مينا
الساعة واحدة .. الساعة اتنين .. الساعة تلاتة .. مجرد حركة من العقرب .. و انتقال بضعة سنتيميترات على المينا .. إنه ليس زماناً و لكنه أوضاع مختلفة في المكان .. أما الزمن الحقيقي فهو في داخلنا .. و هواضطراب دائم لا تتساوى فيه لحظة بأخرى .. لحظة صغيرة .. و لحظة كبيرة .. و لحظة تافهة
و هو غير قابل للتكرار .. لأن كل لحظة تحتوي على الماضي كله و معه علاوة من الحاضر .. و في كل لحظة تضاف علاوة جديدة من التجربة و الحياة فلا تعود الحياة قابلة لأي تكرار .. و إنما هي الرؤية..
بينما يحتاج الذي يشاهدنا من الخارج أن يرى حركات ذراعنا بعينه و يتبعها و يحللها بعقله ليقول أننا نحرك ذراعنا إلى فوق و معرفتنا نحن أرقى من معرفته لأننا نعاين الحقيقة مباشرة و بهذه المعرفة اكتشفنا الزمن .. زمننا الحقيقي
و لكننا لا نعيش حياتنا كلها في الزمن الحقيقي لأننا لا نعيش في نفوسنا كل الوقت .. و إنما نعيش في مجتمع .. نخرج و نختلط بالناس و نتبادل المنفعة و نتعامل و نتكلم و نأخذ و نعطي و لهذا لا نجد مفراً من الخضوع للزمن الآخر .. زمن الساعات .. فنتقيد بالمواعيد و نرتبط بالأمكنة
و نبحث عن الأشياء المشتركة بيننا لنتفاهم .. و في أثناء بحثنا عن الأشياء المشتركة تضيع منا الأشياء الأصلية
العرف و التقاليد و الأفكار الجاهزة تطمس الأشياء المبتكرة فينا و تطمس الذات العميقة التي تحتوي على سرنا و حقيقتنا
و نمضي في زحام الناس و قد لبسنا لهم نفساً مستعارة من التقاليد و العادات .. لنعجبهم
و تتكون عندنا بمضي الزمن ذات اجتماعية تعيش بأفكار جاهزة و عادات وراثية و رغبات عامة لا شخصية..
و هذه هي الذات سطحية ثرثارة تقضي وقتها في التعازي و التهاني و المجاملات و المعايدات و السخافات و تنفق حياتها في علاقات سطحية تشبه المواصلات المادية التي توصل من الباب إلى الباب و لا توصل من القلب إلى القلب
و هذه الذات التافهة هي غير الذات العميقة التي نغوص إليها في ساعات وحدتنا و نكتشف فيها أنفسنا و نتعرف على وجوهنا الحقيقية
إنها ذات جامدة مثل الجسد تحكمها الغرائز و الضرورات الاجتماعية.. و هي تشبه المرحاض النفساني نفرز فيه كسلنا و ضيقنا و مللنا و نقتل فيه وقتنا بانشغالات رخيصة تافهةو مثل قزقزة اللب و لعب الطاولة .. و نحن نتأرجح في حياتنا بين هذه الذات السطحية و بين الذات العميقة
.. نهبط مرة و نعلو مرة .. نعيش في زمن الساعات لفترة طويلة من يومنا في وظائف و أعمال آلية روتينية .. و نعيش في لحظات قليلة متألقة في داخلنا في زمننا الحقيقي الجياش فنهتز بالنشوة و نشرق بالسعادة و نرتجف بالقلق و نمتلئ بالفضول و اللذة و نعرف نفوسنا على حقيقتها و بكارتها
و نحن نكتشف هذه النفوس البكر في مغامرات قليلة..
نكتشفها لأول مرة في مغامرة الحب حينما نعثر على المرأة التي تهز وجودنا .. و تخترقنا و تخترق عادتنا وتفكيرنا و حياتنا و تقلبها رأساً على عقب .. فتبدو كأنها حياة جديدة عجيبة.
و نكتشفها لثاني مرة في مغامرة الفن .. في لحظة الإلهام التي ينفتح فيها شعورنا على إدراك جديد و تصوير جديد للدنيا .. فنكتب أو نغني أو نرسم أو نقول شعراً
و نكتشفها لثالث مرة في مغامرة التأمل و في الشعور العميق بالتدين .. في لحظة الجلاء الفكري و الصوفي التي نضع فيها على حقيقة جديدة فينا أو في الناس حولنا أو في الدنيا..
و نكتشفها لرابع مرة في المعمل .. و في لحظة الاختراع التي نعثر فيها على سر من أسرار الطبيعة يبهرنا و يدهشنا ... و يصدمنا
كل هذه الاكتشافات تخرجنا من الزمن المبتذل و المتكرر .. زمن الساعات .
و تترل بنا إلى .. أعماقنا
إلى زمننا الحقيقي حيث كل شيء جديد و مبتكر .. مدهش .. جميل .. باعث لأقصى اللذة الفضول..
د مصطفــــى محمـــــود
| |
|